شخصياًأؤمنبأهميةوجود “القارئالأول” لكلكاتب لأنّ الكاتب مهما بلغت عظمته يحتاج لعيون أخرى تضيء له النقاط العمياء التي لم يستطع كشفها وقت كتابته أو مراجعته الذاتية للنص، ولكنليسكلكاتبللأسفيتوفرلديه “القارئالأول“،وفيظلضعفالعملية التحريريةالتيابتُليبهاالكاتبالعربيفيالعديدمندورالنشر،تكونفكرة (المخرجالروائي) هنافكرةناجعةوذاتغنىًللكاتبوالقارئ معاًفيآن،للكاتبمنحيثتجويدالنصوتشذيبهمنالنواحيالفنيةليظهرالنصبأبهىحلّته،وللقارئمنحيثالمتعةوالفائدةالتي سيجنيهامنقراءةهذاالعملالإبداعيالذيظهرنتيجةاشتغالجادومراجعةدقيقة.
الترجمة بمنظورها الواسع هي جسرٌ مهمٌ يربط بين الشعوب المختلفة وثقافاتها عن طريق نقل المعارف المختلفة بينها. وكنتيجة لذلك يؤثر هذا النقل المعرفي على الرؤية الكونية بمختلف تفرعاتها العلمية, الأيديولوجية والدينية على حضارات وثقافات الشعوب المختلفة على مستوى العقل الجمعي و الفردي على حد سواء. وأثر الفلسفة اليونانية على الفلسفة الإسلامية نتيجة الترجمات التي قام بها الكندي والفارابي وابن رشد لأفكار “أفلاطون” و “وأرسطو” كما تشير بذلك بعض الدراسات مثالٌ واحدٌ من أمثلة يصعب حصرها.
.
أما إذا ما تطرقنا للترجمة الأدبية, فأول ما يتبادر إلى الذهن المثَل المتداول ذو الجذور الإيطالية والقائل بأن “الترجمة خائنة” وتكاد هذه العبارة تتمزق أطرافها من فرط الشد و الجذب بين المتجادلين في حضرتها بين مؤيد ومعارض وحيادي. وهذا أمرٌ شرعي مادام النص الأدبي ينبع من روح الكاتب المحملة بكل ما يختلج في لاوعيهِ من إرثٍ ثقافي خاص وذاكرة لا تخص أحدا سواه.!
ولكن عند قولنا أن فعل الترجمة هو فعل “خيانة” فما هو المعيار الصلب الذي يستند عليه قولنا هذا؟! ما دام النص الأصلي في الغالب غائبٌ عنّا لغة كعتبة أولى للنص, بالإضافة إلى عدم الإلمام بالإرث الثقافي والحضاري لكاتبه؟! أليس لكل لغة خصائص تميّزها عن باقي اللغات الأخرى؟! وبالتالي أليس معيارنا في هذا الحكم نابعٌ من هذه الخصائص التي نتكئ عليها في لغتنا الأم بشكلٍ لاواعي بكل ما تحمل هذه المعايير من أبعاد جمالية؟! أي أننا في الحقيقة كلما وجدنا النص المترجم يقترب من روحنا الأدبية وأبعادها الجمالية في اللغة, كلما حكمنا على الترجمة بأنها أمينةٌ للنص الأصلي بقدرٍ كبير؟! وبالتالي هل يصح لنا افتراض أنه كلما اقترب النص من ملامسة هذه الأبعاد الجمالية في لغتنا ابتعد أكثر عن النص الأصلي بكل خصائص لغته المتعددة؟! إذن هل يمكن لنا أن نعتبر هذه خيانة؟! ومن هذا الباب ألا تمثّل الترجمة كتابةً إبداعية موازية للنص الأصلي وليست مولودةً منه؟! ثم أليس من الصعوبة بمكان أصلا القبض على روح النص الأدبي مهما حاول المترجم ملاحقة النص وكاتبه مستعينا بذخيرة معرفية باللغة الأخرى وجانب لا بأس به من حياة الكاتب؟! ألا يكون هنا المترجم كمن يلاحق سرابا في بيداء لا تخوم لمتاهاتها؟!
ثم هنالك أمرٌ آخر يقف كقاطع طريق في منتصف هذه التساؤلات, وهو كيف نفسر توجه كاتبٍ ما إلى الكتابة بغير لغته الأم؟! كما فعل ميلان كونديرا مثلا عندما كتب نصوصه بالفرنسية عوضا عن التشيكية؟! أو إليف شافاق عندما كتبت باللغة الإنجليزية عوضا عن التركية؟! كيف يمكن لكاتب ما أن يُبدع نصا بلغة هو غير ملم بأبعادها التاريخية والحضارية مهما كان متقنا لها؟! هل يمكننا القول بأن الكاتب هنا هو المترجم ذاته للنص؟! بمعنى آخر , هل يمكننا أن نعتبر أن النص الأصلي ضائع في مهب الغياب وهذا الذي بين أيدينا هو نص مترجم لذلك النص الغائب مادام أن اللغة التي استعان بها الكاتب هي غير لغته الأم؟! أيمكننا أن نعتبر أن الكاتب هنا “خائن” كذلك؟! ثم أليس الرهان هنا هو قدرة الكاتب على الإمساك بناصية اللغة الأخرى من جذورها؟! ولكن بالرغم من كل هذه التساؤلات وجدنا أن بعض هذه النصوص التي كٌتبت بغير اللغة الأم للكاتب كانت نصوصا إبداعية وخلاقة؟! ترى ما هو السبب الجوهري وراء ذلك؟! ألا يمكن أن يكون انصهار روح الكاتب بكل أحاسيسها في أتون عشق هذه اللغة الأخرى والتماهي معها هو السبب الجوهري وراء هذا الإبداع؟! وهذا التساؤل يعيدنا إلى المترجم الآخر مرةً أخرى..هل يكفي بأن يكون مترجم النص الأدبي ملما باللغة الأخرى ميكانيكيا ليترجم لنا نصا أدبيا إبداعيا؟! ألا ينبغي على المترجم هنا ألا يترجم نصا واحدا مادام لم ينصهر في أتون عشق هذا النص وأبعاده اللغوية انصهارا كاملا؟! أي ألا يكون الرهان هنا سواء كان في الكتابة المباشرة أو الترجمة على حد سواء هو عشق اللغة بكل أبعادها الجمالية التي تساعد على إعادة تشكيل هوية عاشقها من جديد؟! ألا تكون الترجمة هنا ضرباً من التحليق في عوالم النص الهائلة بجناحين من عشقٍ ومهارة؟!
ومن هنا يمكن أن نتفهم رفض بعض الكتّاب وخصوصا الشعراء بعض التراجم لنصوصهم كما رفض شاعر ألمانيا العظيم ريلكه خمس ترجمات فرنسية عُرضت عليه لعمله الملحمي (أغنية عشق لحامل الراية) لأنها لم تُترجم ضمن “روحه الحقيقية” كما جاء في “كتاب الساعات وقصائد أخرى” لريلكه بترجمة كاظم جهاد.
ولكن, بالرغم من كل هذه التساؤلات التي تنبثق في سماء الترجمة مثل شهب ثاقبة, هناك حقيقة واحدة مسلّم بها, وهي أن الترجمة لا غنى لنا عنها, فهي إن كانت خير , فهي خيرٌ مضاعف, وإن كانت شر فهي شر لابدّ منه, وإلا كيف تسنى لنا نحن القراء أن نطّلع على إرث عظيم من الأدب النابع من الحضارات المختلفة؟!
والتوظيفالوصفيّفيالروايةلايقلُّشأناًعنالحواركذلك،فالوصفهنايشدُّالقارئلأحداثالروايةبحبلٍلايترهلولاينقطع. إذبالأسلوبالوصفيّالمدهشوالخلاّقللكاتبيُصبحالقارئُذاتهُجزءاًمنالحدثبمشاركتهحسياًفيه. وهيالغايةالمنشودةمنالوصفكمايرىالكاتبُالأمريكيستيفنكينج (بأنَّالوصفهووسيلتكلجعلالقارئمشاركاًبحواسهفيالحكاية،الخدعةأنتجعلهيرىمايحدثويسمعهويشمه) فيكتابه (عنالكتابة: ذكرياتعنالصنعة/ On writing: A memoir Of the Craft ).
فلأدخلالمكتبةوأكملالرحلةالأندلسيةفي (ثلاثيةغرناطة) ل “رضوىعاشور” أوالعدميةفي (مثالبالولادة) ل “سيوران” أوالشعريةفي( فمٍيتشرّدفيجهاتالجمر ).. ل “إبراهيمالحسين“..!
وهاهواليومشارفعلىنهايته….ولمأدخلالمكتبةكعادتياليومية…ولمأكملفيهالا (ثلاثيةغرناطة) ولا (مثالبالولادة) ولا (فمٌيتشرّدفيجهاتالجمر) علىخلفيةموسيقىالجازوأجواءالمقاهيالتيأستمعإليهامنمنصة “اليوتيوب” وقتالقراءةولاأكملتُالساعةالمتبقية الأخيرةحتّىمنالفيلمالطويلللمخرجالفلبينيالكبير (لاڤدياز) (From What is Before ) والممتدلخمسساعاتونصف…..والسببفيذلككله….(خفّاشٌفيالمكتبة)..!!
(محاولة لإيجاد نقاط التناص بينبعض المفاهيم السينمائية و الشعرية الحديثة)
عندما أعود للماضي البعيد, وأعني بالتحديد ماضي تحولات المفاهيم الشعرية التي مررتُ بها متأثرا بعدة عوامل خارجية وداخلية منذ أن تبرعم الشعر في ذاتي ونما نصا فنصا, على مدى هذه الحياة العابرة التي طاردت فيها ومازلت غزلان الأدب والفن والجمال في غابة العمر الموحشة, أتذكر عدة “صدمات شعرية” -إن صحً التعبير بذلك-, كونت لدي رؤى حياتية وشعرية مختلفة ووسًعت من مدارك الشعر ورؤيتي الذاتية له أكثر فأكثر.
والسينما كذلك لم تخل من صدمات تسبّبت في توسّع إدراكي لهذا الفن السابع وانقداح شرارة التحولات في المفاهيم السينمائية التي صاحبت رؤيتي له فيلما ففيلما. وأول صدمة سينمائية أصابتني هي الصدمة التي صاحبتني عند مشاهدة فيلم ( المطارد/ (Stalker للمخرج الروسي الكبير أندريه تاركوفسكي الذي أخرجه عام 1979 م حيث كانت أبجديات الفيلم مختلفة كليا عما هي مألوفة بالنسبة لي, وأعني بذلك التقنيات “الهوليوودية” التجارية على وجه الخصوص.
بعد هذه المقدمة التي كانت شرا لابد منه أدخل إلى المقاربة بين الشعر كلغة مكتوبة وبين الشعر كصورة مرئية سينمائية!
وهنا سأختار شخصيتين بارزتين أثرتا على مفهوم الشعر والسينما على حد سواء, هما الشاعر والمفكر الكبير أدونيس, والمخرج الروسي الكبير أندريه تاركوفسكي.
وقبل ذلك أيضا علي أن أوضح ماهو المقصود ب (السينما الشعرية).
في الواقع مفهوم (السينما الشعرية) ضبابي ومُلتبس إلى حد ما حتى عند الكثيرين من النقاد والمخرجين أنفسهم, ولكني أميل للرأي الذي يقول بأن السينما الشعرية (لا تعني أن نعالج قصيدة شعرية سينمائيا)*1, أي أن يكونالفيلم مبنياً على نص شعري كما هو فيلم (تروي/Troy) أو (حصان طروادة) المبني على النص الشعري الملحمي ل (هوميروس) في الإلياذة والذي أخرجه المخرج الألماني ولفغانغ بيترسن/ Wolfgang Petersen والذي أدى فيه دور (أخيليس/ Achilles ) الممثل الأمريكي براد بيت/ Brad Pit عام 2004م .
إنما (السينما الشعرية) –كما يعبر بذلك المخرج السويدي انجمار بيرغمان- (سينما أحاسيس)*1. أو كما يصرح المخرج والشاعر الفرنسي جون كوكتو بأن (السينما الشعرية سينما تفكير, فالمشاهد مُطالب بأن يفكر ويحلل وأهم شيء أن يحس)*1
ومن هذا الباب نفهم أن السينما الشعرية هي في العمق معالجة الفيلم بجميع أبجدياته معالجة شعرية من الجذور تتناص مع المفاهيم الشعرية –الحديثة- بشكل خاص, أي أنّ السينما الشعرية هي محاولة كتابة قصيدة ما بالأدوات البصرية!
ويُعتبر الشاعر والمخرج الإيطالي الكبير( بازوليني / Pasolini1922-1975) هو أول من أطلق هذا المسمى وعالجه نقديا في نصه النظري (السينما الشعرية) المنشورعام 1965 م وإن كان سبقه في ذلك (الشكلانيين)* الروس في رصد ملامحها الأولية*2.
يرى بازوليني على أن جوهر اللغة السينمائية هي لغة شعرية تتكئ على سيميولجية الصورة المرئية (علم الإشارات) وهو الذي يقف بالضد من المفهوم الشائع للسينما ولغته السردية/النثرية المتكئة على المفهوم القصصي والحبكة الدرامية.ويُقسم بازوليني نظريته عن السينما الشعرية إلى قسمين رئيسيين هما (الصورة الإشارية, والخطاب الحر غير المباشر)*3
و من باب هذا التقسيم يمكن أن نقارب هذه الرؤية السينمائية مع اللغة الشعرية الحديثةمن حيث قابليتهما للتأويل اتكاء على ما تحمل من إشارات ورموز دلالية مرئية كانت أم مكتوبة.
لكن يرى بازوليني أن الكاتب الأدبي يمارس دور واحد بتقنية أحادية هي “الكتابة” بينما السينمائي يمارس دورين مزدوجين:
الأول لغوي تقني عن طريق جمع الصور/المفردات من منابع كثيرة كالذاكرة والأحلام ومحيط السينمائي الخارجي ولثاني هو ترتيب هذه الصور في عملية الإنتاج لإيصال المعنى أو الشعور المنشود للمشاهد.
ومن هنا يطرح بازوليني في نظريته تساؤلات عميقة كـ(كيف يمكن للغة الشعر أن تتحقق في السينما؟ وهل حقا هذه اللغة ممكنة في السينما؟! وهل يمكن لأسلوب (الخطاب الحر غير المباشر) (الذي طالما ميز الشعر) يجد طريقه للصورة السينمائية؟!)*2
ولكي يجيب بازوليني على هذه التساؤلات يقوم على تحليل مايسميه بـ(مفهوم اللغة الشعرية التقنية) وهي ( الذاتية والأسلوب ودرجة الوعي) وهو مايتقاطع تماما مع مفهوم تاركوفسكي للسينما الذي يرى بأن الفيلم لابد أن يحمل طابع الذاتية والرؤية الخاصة للمخرج للحياة القائمة على مخزون الذاكرة وعبث الأحلام ورمزيتها الدلالية كما أشار لذلك في فيلمه الوثائقي ( رحلة عبر الزمن/Voyage in Time) الذي وثق فيه رحلته مع الشاعر والسيناريست الإيطالي الكبير تونينو جييرا عام 1983 م في البحث عن موقع لتصوير فيلمه القادم هناك (حنين/Nostalgia). فعندما كان يقرأ عليه سؤالا من أحد محبي تاركوفسكي عن ماهي توصياته الرئيسية التي يود أن يقدمها للمخرجين الشباب المبتدئين فيجيب بذلك عليه أنه (على المبتدئة ألا يفصلون أعمالهم, أفلامهم, أشرطتهم السينمائية عن الحياة التي يحيوها, وألا يؤسسوا لاختلافٍ فيما بينهم وبين سينمائهم لأن المخرج كأي فنان آخر , الرسام, الشاعر, والموسيقي, وعندها فإنه مطلوب منه أن يُشرك ذاته الخاصة. إنه من الغريب أن ترى مخرجين يتعاطون مع أعمالهم كوضع خاص مُنحوا إياه عبر القدر, وأنهم أنجزوا عملهم ببساطة بشكل يدعو للمفخرة ,هكذا بأن يحيوا بطريقة ما, وأفلامهم تحكي عن أشياء أخرى……إلخ).
وهذا المبدأ يتقاطع أيضا مع مفهوم الشعر الحديث الذي يتقاسمه كبار الشعراء وعلى رأسهم(أدونيس) إذ يقرر في احدى سلسلة حواراته مع قناة الميادين (هذا هو اسمي..أدونيس) أن على الشاعر (أن يكتب تجربته الذاتية,فالشعر يكمن في الذاتي الخاص وليس في العام المُشترك لذلك على الشاعر أن يكتب مثلا تجربته في الحب لا عن الحب بشكل عام)!
الجدير بالذكر أن تاركوفسكي ينحاز لشكل السينما الشعرية التي تبلورت مفهومها في أفلامه المتأخرة بشكل خاص كـ (المطارد/Stalker) ,(حنين/Nostalgia) و (مرآة/Mirror ) والذي يعتبره بعض النقاد أكثر أفلامهرمزية.*4
ويقف–كما يشير في فيلمه الوثائقي ( رحلة عبر الزمن/Voyage in Time)– ضد السينما السردية التجارية الشائعة المرصوفة بالقواعد السينمائية الكلاسيكيةإذ نفهم منه بأن لغة الصورة هي لغة حرة ,كلغة الشعر الحديث تماما التي لا تقوم على القواعد العروضية الكلاسيكية. إذن من هنا نرى بأن الشعر والسينما يتقاطعان أيضا في ذات المفهوم المتمرد على القواعد والحبكات الجاهزة.
لذلك تعتمد السينما الشعرية على دهشة الصورة بأبعادها الزمانية والمكانية في المتلقي وهذا جلي وواضح في البطء الزمني الحاصل في أفلام تاركوفسكي –على سبيل المثال- (الذي يرى بأن كل لقطة هي خلاصة اللقطات السابقة جميعها وهو جوهر الإنتاج عنده وليس التتابع الصوري الديناميكي للمشاهد)*4. وكأنه كذلك كما يقول بازوليني (أن تجعل الكاميرا تشعر)*3
يقول أدونيس في ذات اللقاءات مع قناة الميادين بأنه يبحث عن القارئ النوعي, القارئ المتفاعل الذي يتفاعل مع النص ويشترك معه في توليد المعاني , وإن أراد القارئ أن يفهم أدونيس عليه ألا يكتفي بقراءته شعريا بل بالإلمام بكل تجربته الثقافية والفكرية الإبداعية حتى يقرأ أدونيس شعريا بشكل أعمق!
ويمكننا إسقاط هذه الفكرة على أفلام تاركوفسكي ولنأخذ على سبيل المثال فيلم (مرآة/Mirror) الذي كما أشرت سلفا يعتبره الكثير من النقاد أكثر أفلامه رمزية, ولكن من الممكن أن يفكك المشاهد بعض هذه الرموز إذا علمَ أن هذا الفيلم يحتوي على مخزون كبير من ذاكرة تاركوفسكي الشعرية والحياتية مع أبيه مثلا وهو الشاعر الروسي(وارسيني تاركوفسكي) والذي ضمّن الفيلم بعض أشعاره.
عموما هناك أمثلة كثيرة على السينما الشعرية والممهّدة لها كأفلام المخرج السويدي الكبير انجمار بيرغمان أو الإيراني الشاعر المخرج الكبير عباس كياروستامي وغيرهم. ولكني سأكتفي هنا بمثال أخير وهو الفيلم القصير (كلب أندلسي/Un Chien Andalou) الذي أخرجه المخرج الأسباني السوريالي العظيم لويس بانويل (1900-1983) بالمشاركة مع الفنان السوريالي العظيم الآخر سلفادور دالي ( 1989-1904) عام 1929 م والذي يعتمد على الصورة الرمزية الدلالية بشكل صارخ مستغنيا بذلك عن اللغة المنطوقة. فمشهد مثل خروج النمل من الكف لا يمر من دون ترك أي أثر على وعي و لاوعي المشاهد!
و ختاما أود أن أقول بأن السينما الشعرية تختلف جوهريا عن السينما السائدة السردية بكل أبجدياتها وأركانها ومفاهيمها, وحتى لا تقع أيها القارئ الكريم في الخطأ الذي وقعتُ فيه أنا عندما شاهدت فيلم المطارد/Stalker – كما ذكرت في بداية المقال- في حال أردت أن تلج إلى عالم (السينما الشعرية) من بوابته (الضيقة), فعليك أن تخلع عنك عباءة كل معايير (السينما /النثرية) عند العتبة وتدخل إلى عالم السينما وكأنك تدخله لأول مرة وحيئذ فقط ستتقبل هذا النوع الفريد والجميل والمدهش!
* الشكلانية الروسية هي مدرسة أدبية ازدهرت في موسكو عام 1915م, ركزت على تلقي النص ذاته كمنتج أدبي مستقل عن ضوء كاتبه بكل مايكتنزه الكاتب من آثار ثقافية وتاريخية وغيرها.
المصادر:
1- مقال (السينما الشعرية و سينمائية القصيدة) للمخرج حميد عقبي المنشور في (ديوان العرب)
2- كتاب (سينما الشعر- جدلية اللغة والسيميولوجيا في السينما) للكاتب عبدالكريم قادري.
3- مقال (سينما الشعر: قصائد السينما المرئية) ل أحمد عزت المنشور في موقع (إضاءات)
4- مقال (وقفة مع شاعر السينما الراحل أندريه تاركوفسكي) للناقد جواد بشارة المنشور في مجلة (نزوى