سقوطٌ في عتمةٍ وجودية

سقوطٌ في عتمةٍ وجودية

 

منذ أن قرأ عن (تناسخ الأرواح) وهو مأخوذٌ بهذه الفكرة التي عصفت هواجسها برأسه. ظلّ يحاول أن يغوص عميقاً في أغوار الذاكرة مثل سمكة ( الأنجليرفيش) المضيئة فلربما استطاع أن يصطاد في تلك العتمة الهائلة صورةً له شاردةً من العالم الآخر فيعرفُ من أو ماذا كان قبل أن تنزلق روحه عبر نطفةٍ حقيرةٍ من نُطف أبيه الكثيرة ليولد إنساناً رغماً عنه!

.

في احدى المرات فوّت الحضور لأمسيةٍ شعريةٍ أُعِدّت لأجله احتفاءً بإصدار ديوانه الشعريّ (الثالث عشر)، حضرها لفيفٌ من الأدباء والمثقفين ماعداه!. لأنهُ لمح وهو يُسرّح شعرهُ أمام المرآة طيفاً شفيفاً هلامياً لكائنٍ ما فظلّ يحدّق في المرآة مأخوذاً به لساعةٍ كاملة ظناً منه أنّذلك الطيف هو صورة الكائن الذي كانه قبل أن يولد على هذه الهيئة البشرية، فظلّ يتفحصها كما كان الرجل المذعور في لوحة (روح) للرسام الفرنسيّ التوضيحي (جورج رو) يتفحّص طيف الفتاة الشفيف التي تراءت له بفستانها الناصع البياض في عتمة غرفته وهي تعزف على البيانو الخاص به.

.

(حسناً وأيّ كائنٍ حقيرٍ آخر سأصير بعد ذلك، ربااه ألن ينتهي هذا العذاب ؟!)

كان يُفكرّ بهذا السؤال وهو يقضي حاجته الوجودية في حمّام غرفته، فلمحَ عند احدى الزوايا صُرصاراً داكن اللون يُحدّق في عينيه مباشرةً وكأنّ قرنيّ استشعاره الطويلين يقبضان روحه من عينيه!

.

فكّر مذعوراً (ماذا لو متّ الآن وانتقلت روحي إلى هذا الصرصار الحقير في هذا المكان الحقير، وجاءت زوجتي الحقيرة تطرق عليّ الباب فلا أجيب، فتفتح الباب عنوةً وتراني مرمياً على أرضية الحمام ملوثاً بقاذوراتي، والصرصار (الذي هو أنا) واقفٌ عند رأسي البشري اللعين؟! ستصرخ مذعورةً ولأنها تعاني من (فوبيا الصراصير) سوف تضربني أولاً بحذاء المنزل قبل أن تهبّ لنجدة جسدي البشري وسأموت حينها للمرة الثانية! ولكن في هذه المرة ستظلّ روحي عالقةً بأسفل ذلك الحذاء مثل علكةٍ قذرة!)..!

.

أيقظتهُ من شروده طرقاتُ زوجته المتتالية على الباب ونداءاتها المتكررة له للإسراع بالخروج لتناول وجبة الغداء الجاهزة منذ مدة.

.

انتهى من قضاء حاجته سريعاً وخرج للمائدة التي تنتظره. ولكنهُ منذ ذلك الحين، كلّما خطا خطوةً بحذاء المنزل شعرَ بوخزٍ غريبٍ ينغرز في قلبهِ مثل شوكة.!

.

.

#عدنان_المناوس

#حرفي

#قصة_قصيرة

كتب من قبل:

عدنان المناوس

إنسانٌ يحاول الشعرَ والسرد والنقد. إنسانٌ يحاول..لا أكثر ولا أقل..!

عرض كل المقالات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *