الشهر: أبريل 2023

(1987)


اللعنة، إنه الاستيقاظ من جديد!
قبل قليلٍ كنتُ أحيا ثلاث حيوات متوازياتٍ في لحظة واحدة!
.
حسناً، سأتوقف هنا لأحدثكم عنّي قليلاً،
اسمي لا أعرفه! لكنّني صدفةً وجدتُ شخصاً يناديني بهذا الرقم (1987)، وكأني بكم تتساءلون من هو هذا الذي ناداك ؟! حسناً لا أعرف من هو أيضاً، إذ فجأةً وجدتُ نفسي في غرفةٍ أعتقد أن مساحتها أربعة أمتار في ثلاثة (فكيف لي أن أكون متأكداً من ذلك بحق الرب وأنا ليس عندي ما أقيس به مساحة الغرفة غير عينيّ والانفراجة الضيّقة بين الخنصر والإبهام!)جدران الغرفة مطليةٌ باللون الأصفر الشاحب، أو هكذا أعتقد! نافذةٌ يتيمةٌ على الجدار الشماليّ للغرفة تُطلّ على العدم!
مرحاضٌ قذر، طاولةٌ خشبيةٌ صغيرة مهترئةٌ بجانب سريري عليها دفتر ملاحظاتٍ صغير وقلم رصاص هو هذا الذي أدوّن به هذه المذكرات في الدفتر.
.
دخل عليّ ذلك الشخص بثيابه البيضاء وناداني يا (1987) قف، فوقفت، اخلع ملابسك، فخلعت، وضعَ سمّاعةً تشبه تلك التي يستعملها الأطباءُ لجسّ النبض على صدري، فحصَ أسناني وفكّيّ بيد وبالأخرى قلمُ إضاءة أصفر صغير مصوِّبا فوهتهُ داخل فمي مثل مسدّس!
جسّ خصيتيّ بكلتا يديه وكأنه يزنهما، ثمّ دوّن بعض الملاحظات على ورقةٍ كان يحملها معه ورحل!
.
بقيتُ وحيداً في هذه الغرفة الشاحبة منذ أن غادر وحتى هذه اللحظة التي قرّرتُ أخيرا أن أكتب قصّتي فيها.لا أدري كم قضيتُ من الوقت ، بضعة أيام، أسابيع ، شهور، اللعنة لم أعد أشعر بالزمن! فكل ما أفعله هنا هو أكل الطعام -إن كان ذلك الحساء الكريه والرزّ البائت الذي يُقدّمُ لي من فُرجةٍ في الباب الحديدي يُسمّى طعاماً!-وقضاء حاجتي في ذلك المرحاض القذر والنوم على هذا السرير الذي تتغذّى فيه حشرات (البقِّ)على دمي.
.
في البداية كنتُ منزعجاً من كل هذه الأمور الغامضة كانزعاجكم الآن من ثرثرتي الطويلة! إلا أنني وجدتُ حيلةً للهروب من هذا الجحيم متى ما أردت، ألا وهي (الأحلام)!
فصرتُ أنام كثيراً محاولاً قلبَ المعادلة، ليكون الحلم هو حقيقتي الواقعية ،والواقع كذبة الحلم العابرة!
يُقال -حسب بعض النظريات العلمية- بأنه هناك عوالم موازية، وأنه بالإمكان زيارتها من خلال (السفر عبر الزمن)! حسناً أنا لستُ بعالمٍ ولا أهلٌ للعلم حتى، ولكني أعتقد بأنّني وجدت طريقتي لزيارة تلك العوالم من خلال الأحلام!
.
ما أزعجني بدايةً هو عدم وضوحها، إذ كانت تمرُّ عليَّ سريعة فأستيقظ دون تذكر أيّ شيءٍ منها، ولكني بعد تمرينٍ كافٍ على قوّة التركيز والتأمل بتّ أميّز تلك العوالم التي أزورها في الأحلام حتى أكاد أتحسسها بيديّ!
.
ولكي تتضح الصورة أكثر سأعرض عليكم مثالين من تلك العوالم الموازية، مرةً حلمتُ بأنني أعمل مع “لويس بانويل” -المخرج الأسباني الذي أحبه- على تصوير فيلم سوريالي، كنا في ذلك العالم الموازي نصور مشهداً يلتقي فيه مولانا (جلال الدين الرومي) ب(أندريه بريتون) فيدور بينهما حوار عشقٍ صوفيّ/سوريالي أو باختصار كما أسميناه أنا وصديقي العزيز “لويس” في الحلم (صوفريالي)، وهو حوارٌ ترونه بدل أن تسمعونه! بمعنى أنكم كمشاهدين ستشاهدون صوراً كثيرة تخرج من بين شفاههما بدل الكلمات، إلا أن الحلم انتهى -للأسف- بعد أن عطس “لويس” عطسةً مزمجرةً قطعت المشهد و زلزلت الباب الحديدي للغرفة فاستيقظت!
.
ومرةً حلمتُ بأنني زوج الفاتنة “مارلين مونرو”! كنا نتمشى في (بولڤار سان جيرمان) بباريس فوجدتُ مقهى (دي فلور / De flore) وهو المقهى الشهير الذي كان يترددُّ عليه الوجوديّون، سارتر وحبيبته المزعومة سيمون دي بوفوار و ألبير كامو وغيرهم، فطلبتُ منها برغبةٍ غامضة وملحة أن نستريح فيه قليلاً ونحتسي قهوةً سوداء مُرّةً!. وافقَت فجلسنا على احدى الطاولات التي ادّعى النادل أنّ هؤلاء الشياطين كانوا يتحلّقون عادةً حولها ويتداولون أفكارهم الوجودية ثقافةً وأدباً وسياسةً، فوجدتني فجأةً وقد شعرتُ بغثيان “سارتر” الوجودي يدبُ في أحشائي من هذه التفاهات الثلاث بأنني أضاجعها على طاولة المقهى وجمهورٌ غفيرٌ من حولنا يصفقون ويصفرون،حتى أيقظتني عضّةُ حادةٌ منها على احدى أذني!
.
على أية حال -إن كان هناك حال- صرتُ أنام كثيراً، وجدتُني أحيا في الأحلام الحيوات التي أريدها، وجدتني أجرّبُ نفسي في أكثر من حياةٍ وأكثر من عالم! كنتُ في الأحلام الكاتب والمُخرج والممثل في آن!
حتى اشتبهت هويتي الحقيقيةُ عليّ!
.
أعود إلى ذلك الحلم الذي حلمتهُ قبل أن أستيقظ الآن وأُشرع في تدوين هذه الثرثرة، قلتُ لكم أنني في ذلك الحلم كنت أعيشُ ثلاث حيوات متوازياتٍ في لحظةٍ واحدة!

كان حلماً غريباً….كنتُ جالساً وسط مرجٍ أخضر محاطاً بالورود حاملاً في كفّيَّ حمامةً بيضاء وفي الوقت نفسه كنتُ حمامةً بيضاء أشاهدُ رجلاً مشوهاً دون ملامح يحملني بكفيه وهو جالسٌ وسط الجحيم، على جبهته مطبوع الرقم (1987) يصغي إلى صوت شخصٍ آخرٍ قادم -هو صوتي تماماً- ينادي:

يا (1987) قف….فوقفت!
.
.
انتهى

#عدنان_المناوس

#قصة_قصيرة