الشهر: يوليو 2022

زقاقٌ لاحتمالاتٍ عديدة!

كلّما سار في الزقاق الضيّق المؤدي إلى مزرعته الصغيرة الكائنة في نهاية حدود قريته، رأى ذلك الكلب وهو (باسطٌ ذراعيه بالوصيد) كمايتخيّل دوماً كلب أهل الكهف الذي ما انفكّت الأسئلة تراودهُ عنهُ كلما تلا سورة الكهف بعد انتهائه من أداء صلاة الجمعة:

((ما الذي فعلهُ ذلك الكلب حتى تشمله تلك الكرامة التي حظيَ بها أهلُ ذلك الكهف؟! ما السرّ الكامن خلف اصطفائهِ من بين كلّ الكلابليسموَ مع أصحاب الكهف إلى مقامات الأولياء الصالحين ؟!! وهل كان ذلك الكلب……كلباً حقاً؟!)).

.

كان بدنهُ يقشعرُ كلما مرّ على هذه الآية تماماً كما كان كذلك كلما رأى هذا الكلب محدّقاً بنظره إلى البعيد وهو يعبرُ من أمامه إلى مزرعته.

.

كان كلباً هزيلاً، يكسو شعرهُ الأسود الغبار وكأنهُ قادمٌ من سفرٍ طويل في عاصفةٍ رملية.له أذنان طويلتان ذابلتان وعينان تشعان بريقاًغامضاً كأنهما هوّتان في فضاءٍ سحيق..!

.

في كلّ مرةٍ كان يراه فيها، يعبرُ من أمامهِ مسرعاً وهو يردد المعوذتين بصوتٍ خافت، متلفتاً مذعوراً من هذا الكلب الذي لم تتغير يوماً هيئتهُ ولانظرتُه المحدّقة إلى البعيد!

.

إلاّ مرة واحدةً في احدى الليالي المظلمة، قرّر أن يضع حداً لمخاوفه معه ، لعلهُ يتمكّن من طردهِ من ذلك المكان ومن مخيلته!

اقترب منهُ ولكنّ الكلب لم يتحرّك قيد أنملة، انحنى الرجلُ وحدّق في عينيه مباشرةً لكنّ تلك العينين اللامعتين بقيَتا محدقتين في البعيد!

.

قرّر أن يُقلّد وضعية الكلب، فجلس بجانبه ووضع ذراعيهِ وركبتيه على الأرض وأخذ يتمثّلُ هيئتهُ تماماً وهو (باسطٌ ذراعيه بالوصيد) محدّقامثلهُ إلى البعيد البعيد!

.

.

تلك الليلة كانت الليلة الأخيرة التي شُوهدَ فيها ذلك الرجلُ وهو يدخلُ ذلك الزقاق المؤدي إلى مزرعته دون أن يُخلّف أيّ أثر..!!

.

.

.

انتهى 🙏

.

#عدنان_المناوس

#القصة_القصيرة


خ

وحيداً في ليلة العيد..وحيداً في المقهى!


وحيداً في ليلة العيدوحيداً في المقهى..!”

.

هل قلتُ وحيداً ؟!

.

أعتذر منكم أيها السيدات والسادة..فقد أخطأت ، إذ كان برفقتي سيد الصمت الكبير..حِبر العبث الأعظم … “صمويل بيكيتو المتلبّس هنا فيمولوي“..!

أخرجتهُ قليلاً من عالم الرواية، أجلستهُ على المقعد المقابل لي متمنياً ألا يراه أحدٌ من الزبائن الداخلين أو الخارجين من الباب المجاور للطاولة، أو يتعرّف عليه أحد الندُل فيقطع علينا خلوتنا الصامتة..!

لنقل بتعبيرٍ أدق، سلختهُ من جلدمولويوأعدتهُ إلى صورته الحقيقية أمامي، بشَعرٍ مثل عشبٍ قصير تمتدّ رؤسهُ إلى الخلف أو تكاد..!  وأذنين كبيرتين مُشرعتين للإصغاء كجناحي نسر ،وعينين صغيرتين، زرقاوين زُرقةَ البحر!!

ويا لهما من عينين ..!!

كأنهما هاويتان بلا قرار ، تبتلعان ما تتأملانه حدّ الغرق!

.

بيكيت…. أنتَ معي وحدك هذه الليلةليلة عيد الأضحىعندنا نحن المسلمون-…لا أدري إن كنتَ تعرف هذه المعلومة أم لا….فهذا لا يهم ياصاحبيفنقاشي معك سيكون عن معنى المفردة ذاتها….وأرجوك أن تحملَني على محمل الجدّ وتبتعد عن العبث والسخرية قليلاً..!

.

أفكّر في معنى (العيد)… هل هو ثابتٌ في كل زمان ومكان أم متغير؟! هل كان (العيد) متخماً بالمعنى عندما كنا صغاراً فتغذينا من حبله السريحتى كبرنا وانقطع الحبلُوخوى بطنهُ من المعنى..؟!

.

ههأعلم مايدورُ في ذهنك يا صاحبي ، ستقول بأن الأمر نسبي ….يختلف من شخص إلى آخرلكني أحدّثك عنّي الآن وأشاركك هواجسي التي يضطرمُ لهيبها في رأسي الذي تشتعلُ شعيراتهُ شيباً يوماً بعد يوم..!

.

قل ليإن كان العيد مازال محافظاً على معناهفلماذا لا أسمع الآن وقع خطواته المُبهجة في قلبي مثلما كان يُطربني إيقاعهُ عندما كنتُ غضاً طرياً..؟!

كنتُ فيما مضى أستقبلهُ استقبال الوالهين، بثوبين جديدين، ثوبٌ أبيضٌ بكُمّين مفتوحين، وثوبٌ أصفرٌ بكمّين ينغلقان على رسغ اليدين بزرّين صغيرين، أو (كبكين) كنتُ قد اشتريتهما قبل العيد بأسبوعين على الأقل …. والعكس في اللونين صحيح!

.

فتمرّ عليّ ساعاتُ الصباح الأولى وأنا أجرّب كلا الثوبين مرةً بعد مرة حائراً ( بأيّ ثوبٍ من الأثواب ألقاهُ)* في يومه الأولكما يقول عمّنا نزار قباني

.

أما الآن فها قد أتى العيد….دون أن أهتمّ ما إذا كنتُ سأستقبلهُ بثوب ٍجديدٍ أم قديمٍ أستلمهُ من مغسلة الملابس الكائنة في القرية المجاورة قبل ساعاتٍ من بزوغ شمس يومه الموعود..!

.

أجبني….ما معنى أن أستقبل هذا العيد يا صاحبي….بحذاءٍ أنهكتهُ الطرقات….دون أن أعيرَ بالاً لذلك..ودون ملابسٍ داخليةٍ جديدة لن يراها أحدٌ سواي ..؟!

.

ما معنى (العيد) في ظلّ كلّ هذا الفقد الهائل الذي يقضم أطرافه مثل جراد..!!؟

بيكيت….هل ما أشعرُ به الآن اتجاه (العيد)، هو أحد ملامح العبث  الذي تُشير إليه بخنصرك الحاد وتفقأ به عين العالم..؟!

.

.

.

انتبهتُ على صوت النادل وهو يقول لي :

Sorry sir, we will close now!

.

اعتذرتُ إليهودفعتُ ثمن القهوة و الشايولم ألمح بيكيت أماميولكنّي أحسستُ بوخزٍ شديدٍ في عينيّفركتهما كمن يفركُ عبثاً بقعةً عصيةً على الإزالة من أحد ثيابه…! فتحتُ كاميرا (السناب) محاولاً أخذ صورةٍ كاذبةٍ بمناسبة العيدفلمحتُ اصبعاً حادةً مغروزة في كلتا عينيّ مثل خنجر..!

.

.

#عدنان_المناوس