الفئة:خارج الوزن داخل الإيقاع

القصيدة

“تبدأ القصيدةُ من غصةٍ في الحلق.”

#روبرت_فروست.
..

منذ يومين، وأنا أتغرغرُ بالقصيدة كمن يوشك على الموت، لا أستطيع دفعها من حنجرتي إلى خارج جسدي الضئيل… ولا أن أبتلعها…فالوجع أكبر من ذلك كلّه..!!
.
.
منذ يومين…و القصيدة تجرّحُ حنجرتي…يسألني من يحادثني مابه صوتك..؟! فأكذب عليه بأنّ السبب يكمن في أني لم أحدّث أحداً منذ أن استيقظتُ من النوم…..و أنا أخشى أن تفضحني حشرجتي بالقصيدة….فالوجع أكبر من ذلك كلّه..!!
.
.
أحمل بباطن كفّي قرصاً صغيرا من تلك الأقراص التي تهدّئ دقّ مطارق الجنون في رأسي….أحدّق فيها كصائغٍ يحدق في جوهرةٍ ثمينة….وقبل أن أبتلعها.. تُسقطها على الأرض رعشةُ رعبٍ تسري في كفّي….وأنا أسمع قهقهات جنّ القصيدة التي أكاد أختنق بها…قهقهاتٌ تدفعني لجنونٍ أكبر من أن يهدّئهُ هذا القرص الصغير…فالوجع أكبرُ من ذلك كله…!!
.
.
أخرج من المنزل…قاصداً المقاهي..علّني أرشو القصيدةَ بخمرة المتصوفة السوداء…ولكنني أعود إليه خائباً …أجرجر روحي التي أنهكها الركضُ خلف آثار ذلك الشيطان اللعين…شيطانُ القصيدة التي أغص بها الآن….آهِ يا صاحبي….الوجعُ أكبر من ذلك كله…!!
.
.
أملأ حوض الإستحمام بالماء الدافئ…أذوّبُ فيه قِطعاً من الملح البحريّ…وأغطسُ فيه دقائق تعادل عمراً كاملاً أقضيه في سكينة الجنة…أغطسُ مغمض العينين…حالماً على وقع موسيقى الإسترخاء..أن أقفز من أعماق جنوني ..وأركض للعالم عارياً صارخاً في وجهه بكل ما تتّقدُ به خلاياي من بهجة الخلاص…لقد ..(وجدتها)…! ولكنّ الوجع أكبر من ذلك كله..!!
.
.
ترقصُ روحي منتشيةً بالقراءة في مدار حلقةٍ من الكتب العظيمة، تمدّ شياطينُ الكتّاب أعناقها من أغلفة الكتب مثل زرافاتٍ وتصيح في وجهي :
..أيها المسكين..لا تطلب حلاًّ ولا تأمل بخلاص…فكلّ هذه الكتب كانت محاولةً عبثيةً لاحتواء كلّ هذا الوجع الذي تشعرُ به الآن….ولكن هيهات…فالوجعُ أكبرُ من ذلك كلّه..!!
.
.
.
#حرفي
#عدنان_المناوس

“إيقاع”

.

فجأةًتجدُ نفسكَ واقفاً تحت ظلّ شجرةيخطفكَ إيقاعٌ بالكاد تسمعهقادماً من البعيد..!

لا تعرفُ كيف قادتكَ قدماكَ إلى هنافي النصفِ منسبتمبر“… حيثُ الحساسيةُ فيهِ تجرشُ أنفكَ حتى الدماغ..!

جُلّ ما تتذكرهُ تلويحةُ الطفلة الخاطفةِ لكَ ورأسُها يِطلّ من نافذةِ السيّارةِ التي عبرَت بجانبك قبل دقائق….لتستمتعَ بنسيم الخريف وهويداعبُ شعرهاوربما هي مثلكَكانت تُحاولُ أن تُصغي إلى إيقاعٍ قادمٍ من البعيد..!

.

يتحسّسُ لسانُك نكهةَ القهوة الأخيرة التي لم ترغب أن يزيلها قليلٌ من الماء لتروي ظمأك…..وأنت تحاول أن تقبضَ على الإيقاع..!

.

تُفكّرربما الإيقاعهو الماضي الذي يحاول أن يفرّ من قبضة الزمن العتيدمن شقوق ذاكرتكَ الهشة..!

أو ربما هو الحلم…!

الحلمُ الذي يكونكَ وتكونه..! بلا انفصالٍ واقعيٍ يُغرّر بك بأقنعته الكثيرة..!

.

يزداد الإيقاعُ وضوحاً…. وأنت تتأملُ كناسكٍ أوراقَ الشجرة المدلاّةِ من الغصون كفتياتالواق واقالفاتنات..!

فجأةً ….تتمتمُ شفتاكَ بأغنيةِ (سامْري) لا تدري من أين تسرّبت ….من الذاكرة أم من هذه الشجرة لفرط التوحّد..، فتُغنّيها بهمسٍ دافئوالغصون جوقةٌ راقصة :

( يا جرّ قلبٍ جرّ لدنَ الغصونِ

وغصون سدرٍ جرّها السيل جرّا

وأهلهْ منِ أوّل بالورق يورقوني

على غديرٍ تحته الماي قرّا)*..!

.

يتسارعُ الإيقاعفتنخطفُ في فضاءٍ لا متناهيتنخطفُ وأنت لا تعرف..!

تفكّرُ.. لكنك لا تعرفتُحملقُ ولا تعرفتتسائلُ ولا تعرفتغنّي ولا تعرف.. ترقصُ ولا تعرفتنتشي ولا تعرفيخطفكَ الإيقاعُالبعيد..ولا تعرفتخطفكَ تلويحةُ الطفلة ولا تعرف..تخطفك نكهةُ القهوة الأخيرةولا تعرفيزداد الإيقاع وضوحاً ولا تعرف..يزدادالإيقاع..ولا تعرف..يزدادولا تعرف..تحت شجرةٍولا تعرف…. فجأةًولا تعرففي النصف من سبتمبرولا تعرفتصحو من السكرةِ كالعائد من نشوة الجنس الخاطفة فجأةً…..ولا تعرف..!!

.

عدنان المناوس

.

الصدفة..!

الصدفة..!

.

.

أنا مدينٌ للصدفة

مدينٌ لها لأجلِ كلّ ما تغرسهُ في قلبيورداً كان أو خنجر..!

.

أنا مدين للصدفة

الصدفةُ التي تصطادني من دون كل الخلق

من ثقوب أبراج الغيب السماوي

كما يصيد قنّاصٌ ماهرٌ ضحيتهُ التي تركضُ

مثل أرنبٍ مذعورٍ في غابة الزمن..!

.

للصدفة في داخلي….

هديرٌ سماويٌ يعلو ويهبط مثل نوارس لا يغدر بها البحر

ولا تخونها الريح…!

.

أنا مدين للصدفة

الصدفة التي قادت خطاي إلى مقهىً ناءٍ في نهاية طريق موحش

تعمل فيه سيدةٌ صموتةٌ

و عيناها العسليتان الغاويتان

تضجان بالكلام..!

.

أنا مدينٌ للصدفة التي ثقبت إطار السيارة وأنا في الطريق السريع

لأتأخر بعض الوقت عن انقلاب شاحنةٍ

كانت تسبق سيارتي بأمتار

أو ربما لأتأخر عن الوصول إلى نقطة تفتيشٍ

كان رجل المرور المناوب وقتها

سيخالفني على تظليل زجاج السيارة

ثمّ يأمرني بالرحيل من دون تبرير..!

.

أنا مدينٌ للصدفة التي أمسكت بتلابيبي

قبل أن تنزلق قدماي على قشرِ موزةٍ

مرميٍ في صالة المنزل..!

.

وأنا مدينٌ للصدفة التي راقصت روحي

على إيقاع كعبِ أنثى يهدرُ مثل غناء الكروان

تحت سماءٍ تُنبئُ بالمطر..!

.

أنا مدينٌ للصدفة التي

دلّتني على مطعم (شيك شاك..)

في آخر ليلةٍ من ليالي العسل المصفّى..!

.

وأنا مدينٌ للصدفة التي أورثتني

لعنةُ الشِعر المقدّس

وأنبتت لي جناحين أحلّق بهما في عالمٍ

غير هذا العالم

عالمٌ ليس فيه إلا الجَمال الذي

ينقذني من التلوث بقبحِ هذا العالم الآسن..!

.

أنا مدينٌ للصدفة ….

الصدفةُ التي حرّضتني الآن على هذه الكتابة العابرة

….مثل العصفور الذي حطّ على نافذةِ مكتبتي الآن…. وطار..!!

.

.

#عدنان_المناوس