خفاشٌ في المكتبة!

خفاشٌ في المكتبة!

ليس عنواناً مجازياً، ولا استعارة أدبية جمالية، فمن أين نتلمس الاستعارات الجمالية في مُفردة أضحت أكثر المفردات رعباً ووحشةً للإنسان منذ أن ارتبطالخفّاشبجائحةكورونا“…حمانا الله وإياكم من شرها المُستطير!

.

.

خفّاشٌ في المكتبة

هكذا بكل بساطةٍ مخيفة..وقدَرٍ سماويٍّ غريب….”خفّاشٌ في المكتبة“..!!

.

استيقظتُ مبكّراً هذا الصباح، لا لشيء إلا لأن ساعتي البيولوجية ترفض أن توقف رنينها في رأسي كلّما أطلتُ في النومو الفضل يعود في ذلكللدوامطبعاًو الدوام لله ..!!

قلتُ في نفسي بعد أن انتعش جسمي قليلاً بحمّام شبه دافئطالما نحن مازلنا (بين بين)…بين الشتاء والصيف..!

فلأدخل المكتبة وأكمل الرحلة الأندلسية في (ثلاثية غرناطة) لرضوى عاشورأو العدمية في (مثالب الولادة) لسيورانأو الشعرية في( فمٍ يتشرّد في جهات الجمر ).. لإبراهيم الحسين“..!

.

ولكن كلّ هذا لم يحدثوالسبب بكل بساطة (خفّاشٌ في المكتبة)..!

.

دخلتُ المكتبة كما يدخل المؤمنون الجنة (بسلامٍ آمنين)…! رفعتُ شنطة الكتب الزرقاء التي ترافقني أينما ارتحلتُ وحللتُ..إلا أننيويا لسوءالطالعلمحت جسد الخفاش البنّي متعلقاً على ظهرها مطمئنا وسكراناً برائحة الكتب..!

وإذا بيبدافعٍ من غريزة النجاة المحضة التي اجتاحتني رعشتها من أطول خصلة في شعري بقيت واقفةً مثل نخلة لم ينجحالمشطفي إنزالها على ظهرهاإلى أطول ظفرٍ في قدميأنزلتُ الشنطة مرةً أخرى إلى الأرض حاجزاًالخفاشبين ظهر الشنطة و الأرضية بسرعة البرقمتسائلاً في أعماقي بكل علامات التعجب والاستنكار….(خفاشٌ في المكتبة..!!!)

.

استجمعتُ في كفّيّ قوةّ لا أعلم من أين أتت عظمتهاضربتُ الشنطة على بطنها مثل ممسوسٍ ضربات لم أفكّر في إحصائها….سمعتُ أنةً حادةً وأنا أضرب الشنطة ولم أتوقفسمعتُ صوت شيءٍ يتكسّر في الشنطة….حسناً ربما قلمياللعنة (ياروح مابعدك روح)..ولم أتوقفأخذت شنطة مستطيلة أخرى وأكثر صلابةً من هذه قريبةً مني تحمل في داخلها درعاً بمناسبة إكمالي لخمس سنوات في وظيفتيوزدتُ الثقل على الشنطة بها ورحتُ أضرب ولم أتوقف…! فما زلتُ تحت سكرة الصدمة حيث (خفّاشٌ في المكتبة..)!

.

في النهاية توقفت….رفعتُ شنطة الدرعوبدأتُ أرفعُ الشنطة الأخرى بحذر من طرفها العلوي..شيئاً فشيئاً لأتأكد من أن هذه الضربات لم تذهب سدىًوتأكدّ لي ذلك عندما رأيت أثراً من دمائه السائلة من رأسه المفضوخ تحت وقع الضربات الهستيرية..!

.

كنستهُ ورميتُ كلّ ما استعملتهُ في محو آثار المعركة، وعقّمت المكانإلا أنني لم أكنس أثر الصدمة من عروقي..! خرجتُ قليلاً لعل رياح اليوم المُثقلة بالغبارتُطيرّ الصدمةلكنّ التفكير بالاحتمالات اللامتناهية من كيفية دخوله للمكتبة لم تفارق ذهني كلّما خطفَ طيفُ صورته اللعينة أمام عينيّعدتُ للمنزلدخلت المكتبة ..ولأول مرةٍ لم أشعر بتلك الطمأنينة والسكينة التي تبعثها هذهالجنةعلى حد تعبيربورخيسإذ مازلت أسمع الصدى في أعماقي يرددخفّاشٌ في المكتبة“..!!

.

حاولتُ مرةً ومرتين وثلاثولكني في كل مرةٍ أدخلهاأشعر أن هناك واحدا آخرا أو ربما قبيلةً من الخفافيش سوف تخرج لي من بطون الكتب وتهاجمني انتقاماً لذلك الخفاش الذي تسللّ خفيةً من المجهول فنال جزاء هذا التسلل الغير مشروع..!!

.

.

وها هو اليوم شارف على نهايته….ولم أدخل المكتبة كعادتي اليوميةولم أكمل فيها لا (ثلاثية غرناطة) ولا (مثالب الولادة) ولا (فمٌ يتشرّد فيجهات الجمر) على خلفية موسيقى الجاز وأجواء المقاهي التي أستمع إليها من منصةاليوتيوبوقت القراءة ولا أكملتُ  الساعة المتبقية الأخيرة حتّى من الفيلم الطويل للمخرج الفلبيني الكبير (لاڤ دياز) (From What is Before ) والممتد لخمس ساعات ونصف…..والسبب في ذلك كله….(خفّاشٌ في المكتبة)..!!

.

.

عدنان المناوس

كتب من قبل:

عدنان المناوس

إنسانٌ يحاول الشعرَ والسرد والنقد. إنسانٌ يحاول..لا أكثر ولا أقل..!

عرض كل المقالات

2 تعليقان

comments user
تالا الخطيب

“خفاشٌ في المكتبة .”. لتكرار هذه الجملة أثناء السرد جانبٌ مشوّق مثيرٌ يشبه لحدٍّ ما إعادة تزيين طاولة الطعام ببعض الزهور ..
باختصار ما قرأته هنا كان مشهد البداية في فيلم سهرة غنيٍّ بالأحداث

    comments user
    عدنان المناوس

    شاعرتنا المبدعة الأستاذة تالا

    ولطالما كان مرورك يزين النص بأزهار حروفك العبقة فيكتسب النص منها هذا العبق القادم من بساتين روحك الخضراء😇
    .
    سعيدٌ كثيراً أن بهذا التكرار استطاع النص أن يُدخلك في أجواءه أعمق فأعمق وكان بمثابة مشهد سينمائي غير رتيب لعينيك! 😇
    .
    جزيل شكري وامتناني لهذا الهطول العذب ولا عدمنا حضورك الباذخ المبهج يوماً..دمت في الألق🙏🌺

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *